قضاء التّعليمات ينصر القتلة ويسلب حقّ الشّهداء

قضاء التّعليمات ينصر القتلة ويسلب حقّ الشّهداء
بقلم : محجوب النّصيبي سيدي بوزيد
هروب بن علي والأصحّ تهريبه والتخلّص منه ليكون هو وعائلته وأصهاره عصابة السّرّاق كان لغاية واحدة هي قطع “شريان دورة الفساد الصّغرى” الظّاهرة والحفاظ على شعيرات تزوّد “دورة الفساد الكبرى” بكلّ أسباب العيش… والوقوف عند ويل للمصليّن وقصر الفساد وحصره ما قبل تهريب بن علي والسّكوت عن الفساد الذي تلا 14 جانفي وحتّى اليوم والذي كان من نتيجته زيادة ثروة أصحاب رؤوس الأموال بما يزيد عن 5 في المائة وزيادة عدد الأثرياء في 2012 فقط بنسبة تتجاوز 16 في المائة… السّكوت عن العصابات ومافيا تبييض الأموال ومافيا المخدّرات ومافيا تجارة السّلاح والإرهاب الذي تتقاطع مصالحه وارتباطاته مع كلّ هذه المافيا والسّكوت عن تحوّل تونس إلى ملاذ ضريبي آمن ما هو إلاّ محاولة لتبييض فترة على حساب فترة أخرى وهذه العمليّة لها مآل واحد : تدمير تونس بعد تخريبها الممنهج بجملة آليات وتشريعات في مجلّة الاستثمار القديمة والجديدة وبجملة قوانين وضغط جبائي يزيد في ثراء الأثرياء ويعمّق من فقر الفقراء… وبشبكة علاقات ترابط فيها رأس المال الاسمي(الرمزي) مع رأس المال المادّي مكوّنا شبكة يصعب الفكاك منها ما لم تكن الإجراءات مؤلمة إذ انتزاع الورم من الجسم مؤلم ولا يمكن مداواته إلاّ بالجراحة أمّا مجرّد “الزرّيقة” فلن يفيد
وما حدث من تبرئة قتلة الشّهداء إثر الحكم الصّادر عن المحاكم العسكريّة، لم يكن إلا حلقة جديدة في سلسلة استكمال تطهير البلاد  من "ملفات ثورة 17 ديسمبر والتّأكيد بنصّ قانوني أنّ الضّحايا هم المجرمون وهم الذين تمرّدوا على النّظام ؟؟ وهم الذين كانوا سببا في قتل أنفسهم ؟؟؟ وهم الذين وجّهوا صدورهم شطر رصاص القنّاصة ؟؟؟ وأنّ الرّصاص لم يستطع تفاديهم بالرّغم من محاولاته ؟؟؟ حكم تبرئة القتلة هو إدانة للشّهداء وهو في الحقيقة ليس مستغربا ولا مستبعدا خاصّة للمتابع لما يحدث منذ استيلاء مصطفى كمال النّابلي على البنك المركزي يوم 17 جانفي 2011 دون أن يعرف التوّنسيّون من عيّنه وكيف وما هي الأسس التي اعتمدت لذلك ولم يعرفوا إلى حدّ اليوم ما هي السّياسة النّقديّة التي اعتمدها وما حقيقة التّعيينات في البنك المركزي و لماذا ؟؟؟
إنّ ما حدث لم يكن خروجا عن المألوف ولم يكن مفاجئا بل المفاجأة أن تنتصر محاكم هي في الأصل امتداد لمحاكم النّظام السّابق تركيبة وتعيينا وتشكيلا و تأطيرا فكيف لهذه المحاكم أن تخرج عن المنظومة التي نشأت فيها والبيئة التي ترعرعت فيها؟؟؟ لقد خدع التّونسيّون بالقول إنّه يجب الاتّجاه إلى القضاء؟؟؟ للمحاسبة ؟؟؟ فالقضاء العادي وحتّى الاستثنائي كالمحاكم العسكريّة لم تكن وليدة الثّورة ولم تكن معبّرة عنها فهي ذات المحاكم التي أصدرت أحكاما على المعارضين السّياسيّين لبن علي وهي ذات المنظومة التي غلّلت أيدي التّونسيّين الذين استنجدوا بها لرفع مظلمة فإذا بها ترفض شكواهم  وتنصر الظّالم بالقانون وبالرّشاوي ؟؟؟ لم يكن مستغربا حكم البراءة بل المستغرب لو تمّ حكم الإدانة... فقد استشهد العماري وشوقي حيدوري ومن تبعهم على درب الشّهادة دفاعا عن حقّ التونسيّين في منظومة عادلة تسقط بناء متهالكا لقضاء في غالبه يُسَيّر بالتّعليمات وهذا لم يكن واردا إلاّ في ظلّ منظومة قضاء خاصّ تأسّس في إطار خاصّ وبقانون خاصّ في ظلّ العدالة الانتقاليّة والعدالة الانتقالية كما نعرف هي منظومة خاصّة وهي سياسيّة بامتياز ولذلك تختلف عن القضاء العادي ومسارات التقاضي اليوميّة.
والأغرب أنّ وجوه القبح والفساد تخرج في كلّ مرّة على التوّنسيّين وتقول بالحرف "حاسبونا بالقانون وأحيلونا إلى القضاء فإذا جُرّمنا فنحن نتحمّل المسؤوليّة"؟؟؟ طبعا ثقتهم كبيرة في قضاء ومنظومة صيغت على مقاسهم وهم بذلك يُحرّفون الحقيقة ويشوّهون القول بالعدالة الانتقاليّة بوجوهها الثّلاث وامتداداتها السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة... لا يمكن لوم المحاكم العسكرية على ما فعلته بل كلّ اللّوم يقع على نخب سياسيّة قدّمت لها جزرة "الحرّية اللّيبراليّة" من الاستعمار ووكلائه فجعلتهم يرفعون العصا في وجه مضامين ثورة 17 ديسمبر ويُحرّفونها عن مسارها ... الجزرة كانت مزيّنة لم يستطيعوا مقاومتها لذلك كره الشّعب وجوههم وكره السّياسة وصنفهم ضمن أعدائه... هذه النّخب كان الأحرى بها أن تطالب بالإسراع بتشكيل المحاكم الخاصّة بالعدالة الانتقاليّة وكان عليها أن تطالب بسَنّ القوانين التي تؤمّن حياديّتها ونزاهتها وتضمن فيها حقّ المتّهم في محاكمات عادلة هذه النّخب كان من المفترض أن تنظر إلى العدالة الانتقاليّة وقوانينها في وجوهها الثّلاث بعناوين واضحة هي :
1- القطع مع نظام الاستبداد والفساد رموزا ومنظومة :
محاسبة عصابة دولة البوليس واللّصوص وهي الفترة الممتدّة من 1956 إلى 17 ديسمبر 2010 وهي فترة خاصّة وحساسة جدّا تحتاج إلى مسار خاصّ وهيئة خاصّة تبحث وتنقب في الأرشيف الوطني وفي الذّاكرة الجمعيّة وتتقصّى لكشف الحقيقة كاملة.
2-  حتّى لا يتحوّل الثّائر إلى مجرم :
محاسبة الفترة الممتدّة من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي حماية للثّوار وللمنفضين حتّى لا يتحوّل الثّائر إلى مجرم وحتّى لا يتحوّل السّارق والمزوّر والمخبر إلى ثوّار وهو ما نراه اليوم للأسف.
3- من أين لك هذا ؟؟؟ :
محاسبة للفترة الممتدّة من 14 جانفي إلى اليوم عمّا اتّخذ من إجراءات وقرارات ومن كان الفاعل فيها خاصّة وأنّ التّونسيّين يرون اليوم أثرياء الأزمات يحكمون جنبا إلى جنب مع عصابة اللّصوص التي حكمت تونس لنصف قرن.
حين تغيب الإرادة الحرّة يغيب الفعل الصّحيح المبني على ثنائيّة استقلالية القرار الوطني وسيادة الشّعب على ثرواته... وتكثر الأسئلة وتصبح موجعة ويختلط الحابل بالنّابل ويصبح الفاسد قدّيسا والثّائر شيطانا ويغادر المجرمون السّجون ليعوّضهم شباب الثّورة وليبيت المناضل صفوان بوعزيز على ضيم السّجن  وتبكي أمّه مع أمّهات الشّهداء ويزغرد القاتل فرحا ببراءة يعلم أنّها ليست من حقّه.
 لقد استوت الأمور عند العامّة فلم يعد يفرَّق بين نصف قرن من الفساد والاستبداد والعذاب والتّعذيب والتّفقير والتّشريد وبين ثلاث سنوات كاشفة مزلزلة مدمّرة نزعت القناع عن نخبة سياسيّة همّها السّلطة بأيّ ثمن وتحت أيّ مبرّر... نخبة جعلت من الشّعب خزّانا انتخابيّا تعود إليه ساعة من الزّمن فتأخذ منه وكالة عامّة تفعل بها ما تشاء فتحدّد مصيره ومآله وآماله وآلامه حتّى عدد دقّات قلبه و كيفيّة تنفّسه... ويحصل منها على إصبع ملوّن و“خلّي يا من عاش”… عقليّة انتهت منذ سقوط جدار برلين وسقوط الاتّحاد السّوفياتي وأصبحت في العالم تكليفا بمهمّة محدّدة في الزّمان والمكان يساءل عنها القائم بها ليس في فترة انتخابيّة بل حين يلحظ النّاس زيغا وانحرافا إذ أنّ البناء متى ما اعوجّ أحد أركانه لا يستكمل بل يهدم ويعاد من جديد بسواعد جديدة وعقليّة جديدة… لن نكون شهود زور ولا أحد أكبر من تونس ليتفضّل عليها بكلمة تنازلات مؤلمة إذ التّنازل الحقيقيّ هو الذي يقدّمه أبناء الدّواخل للمركز في ثورة كانوا لها الرّوح والجسد فتمّ فصل الرّوح وتركها هائمة وأخذ الجسد لتزرع فيه روح غريبة لا همّ لها إلا تحقيق أحلام عجزوا عنها من عهد البايات فزمن بورقيبة وفي زمن بن علي…لن نكون شهود زور وهذه الروح الهائمة يراد تحويلها الى روح شريرة و اول مداخل ذلك تبرئة ساحة المذنبين المجرمين....لن نكون شهود زور و ارواح شهداء 17 ديسمبر و دماؤهم و دموع امهاتهم تنتهك باسم قضاء التعليمات..... لذلك ولأنّ الكلّ له ملفّ “قبيح” لا أحد من المجتمع السّياسيّ يجرؤ على طرح المشكلات الرّئيسيّة وهي دور الدّولة في تونس الغد والخيار الاقتصادي الذي يمكن أن يؤمّن للنّاس حياتهم… أفيقوا يرحمكم الله 
 .
للتعليق علي الموضوع




غرد لأصحابك في تويتر :)

شارك عبر جوجل بلس ;)


شير علي الفيس بوك ( )

علي تويتر
علي الفيس

تونس للصحافة و الاعلام كل الحقوق محفوظة لعام 2014