الخصخصة : الصندوق الاسود "المحرّم" في تونس

الخصخصة : الصندوق الاسود "المحرّم" في تونس
بقلم محجوب النصيبي
كثيرة هي "الطابوهات" في تونس 17 ديسمبر و كثيرة هي الاستار و الحصون التي شيّدت حول الفساد الذي لامس كل مناحي الحياة في تونس ورغم ان الثورة كانت سعيا لتفكيك الصندوق الاسود لحقبة الاستبداد بفترتيها البورقيبية والنوفمبرية و سيطرة العائلات (ومنها عائلة بن علي )ومن سار في ركبها على دواليب الاقتصاد وتحديد وكشف  من  استعمل كل الوسائل  حتى القانون ليسرق و يفتك و يستولي على ارزاق الناس و املاك المجموعة الوطنية باسم القانون فان شيئا من ذلك لم يتحقق و لم يزد الامر عن لجان و اقوال بحق الشعب في ان يعرف ماله و ما عليه و اختصر "الحق على ما يخوله القانون للفرد من مكسب مادي أو معنوي يمكنه الدفاع عنه أو المطالبة به" في مقولات للاستهلاك اليومي تستدعى عند الحاجة لنصر سياسي سرعان ما يتم تسييجها بجملة من التوافقات  و حوارات تُلبَس صفة الوطنية بين اصحاب الياقات الفاخرة و العطور من ارقى الماركات العالمية في المكاتب فخمة بعيدا عن عرق العاملين بالفكر و الساعد و في غيبة الماسكين على الجمر المعطلين عن العمل و المطرودين و المسرحين من وظائفهم بسبب سياسات النهب ومنها الخصخصة التي لم يتم الى جد اليوم فتح ملفها بل ان المستفيدين منها بعضهم ربما يشارك في كتابة مستقبل تونس...ربما..
 وملف الارهاب الاقتصادي الذي موريس على التونسيين  لاكثر من نصف قرن و اوله  الخصخصة ضارب طويلا في تاريخ تونس... الخصخصة في تونس ليست وليدة الحقبة النوفمبرية بل هي مشروع متكامل بدأ منذ سنة 1970-1971 منذ   شهد الاقتصاد  توجها ليبراليا  لتنخرط تونس في البرنامج العالمي لإعادة الهيكلة (P.A.S) الذي وقع ارساؤه سنة 1986 ، و تدعّم ذلك التوجه بالتوقيع على اتفاقية مراكش سنة 1994 تاريخ الانخراط نهائيا في منظمة التجارة العالمية
وقد ساعد الاطار التشريعي سنة 1985 عبر  إحداث صندوق إعادة هيكلة رأس مال المؤسسات العمومية لتطلق تونس موجة خصخصة مؤسساتها  في نهاية عام 1987 فتطال العملية  المؤسسات التجارية والسياحية ثم قطاعات الصناعة الكهربائية والميكانيكية والبناء (قطاع الاسمنت تمت خصخصة جبل الوسط« و»النفيضة« و »قابس« و»جبل الجلود ) ليتجاوز العدد 217مؤسسة عمومية وشبه عمومية في موفى سنة 2010  بين خصخصة كلية( 114)  وجزئية( 29)، وبيع العمومي للأسهم ( 10) وتصفية (41)  وإسناد (5 لزمات) و عمليات أخرى( 18)
و الخصخصة نقل ملكية مؤسسة والتصرف فيها من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وهي ايضا فتح قطاع أو نشاط تابع للقطاع العام أمام الخواص بذريعة عدم جدوى القطاع العام وضعف مردوديته التي  تجعل منه  عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة يستوجب تغيير المعايير الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تحكم القطاع العام بمعايير جديدة تعتمد على السوق وعلى منطق الربح  و لتمرير مشروع النهب المقنن تسترت الدولة بادعاء تحقيق
-       الرفع من أداء القطاع الخاص وتدعيم الاستثمار الخاص من خلال تحسين القدرة التنافسية للمؤسسات وتعبئة رؤوس الأموال وتسهيل نقل التكنولوجيا
-       جلب الاستثمارات المباشرة الأجنبية.
-       التخفيف من الأعباء المالية التي تتحمّلها الدولة وفي الآن نفسه توفير موارد مالية اضافية من شأنها أن تساعد الدولة على تمويل نفقاتها.
-       تنشيط السوق الماليّة لتقوم بدورها المتمثّل في تعبئة المدخرات المالية لفائدة الاستثمار.
و قد عملت الدولة  ضمن رؤية واضحة على تطبيق سايكس بيكو اقتصادي جديد وفق خارطة طريق واضحة على مراحل:
-       المرحلة الاولى  (1987/1991) حيث كانت الخصخصة تشمل  أجزاء من المؤسسة وبيع بالجملة للأسهم وفتح رأس المال للعموم. و اقتصر التفويت على قطاعات التجارة والفلاحة والسياحة ونقل البضائع.
-       المرحلة الثانية فقد انطلقت  بداية المخطّط الثامن (1992 1995)  خوصصة نشاطات تعتبر عادة استراتيجية بواسطة اللزمة و كرّاس الشروط و طالت  ميادين إنتاج الكهرباء والتطهير والإسمنت والبنوك والتأمين و السوق الحرّة في المطارات
-       المرحلة الثالثة بدأت منذ 1996  الى 2011 و ربما الى اليوم؟؟؟ وهي خصخصة بنسق سريع  تشمل المؤسسات الرابحة .
 
كل هذه الاجراءات تمت بعيدا عن الشعب و دون الرجوع اليه و استفتائه خاصة و ان الخصخصة شملت   القطاعات الحساسة و الاستراتيجية  في البلاد   و لم تكن تصب في مصلحة المواطن بل كانت اعلانا صريحا من  الدولة  بالتملص من مسؤولياتها
عمليات الخصخصة التي طالت المؤسسات التجارية والسياحية ثم قطاعات الصناعة الكهربائية والميكانيكية والبناء  لم تتوقف بتهريب بن علي   ففي سنة 2011؟؟تم التفويت في:
-  35 في المائة من رأسمال الشركة التونسية لتوزيع البترول( سادس أهم مؤسسة تونسية من حيث حجم المعاملات)
- 35 في المائة من شركة اتصالات تونس لخدمات الهاتف(مؤسسة تحقق ارباحا وايرادات عالية وتشغل عددا كبيرا من العمال والفنيين)
- 10المائة من مساهمة الدولة في الشركة الوطنية للاتصالات 
- 51 بالمائة من رأسمال الشركة التونسية للتنقيب 
-
كتلة الأسهم بالبنك التونسي الفرنسي بقيمة 78 بالمائة
- 50 بالمائة من رأسمال شركة الفولاذ 
- 20 بالمائة من رأسمال الشركة الوطنية لتوزيع البترول 
-
الشركة التونسية للسكر
كل هذا في اطار ضمان تعهدات الدولة  و المحافظة على صورتها في العالم حتى و ان ادى الامر الى تدمير البنى الاقتصادية و استنزاف المقدرات و الخيرات الوطنية و ذبح التونسيين  سواء العاملين في القطاعات المخصخصة ممن تم تسريحهم او من كان جزءا من دورة اقتصادية صغرى ترتبط بتلك المؤسسة بشكل مباشر او غير مباشر
و رغم ان الخصخصة فضحت ما يجري من استباحة للاقتصاد التونسي غير القادر على المنافسة و غير المتمتع باليات حمائية من الاسواق الاجنبية و من رأس المال الاجنبي و عرّت بعض العائلات المرتبطة بعلاقات مصلحية بالنافذين بالنظام الذين متّعهم النظام القائم بشركات ذات مردودية ربحية عالية عبر صفقات "تحت الطاولة" و دون تبتيت فان الصمت عن هذه المؤسسات لازال مخيما و لا أحد طرح الحل الملائم لاستعاد المال المنهوب و لانهاء اكبر سرقة مقننة في تونس ...و لعل  كشفا لطريقة التفويت  في  ثلاث  شركات كبيرة بعد اخضاعها لإعادة هيكلة  بغرض بيعها إلى القطاع الخاص يقرب الصورة
1)     الشركة العامة لصناعة النسيج SOCITEY : تمت تجزئتها  إلى عدة وحدات متخصصة لها أنشطة متجانسة و تحولت إلى شركة أم هي SOGITEY ، و شركة متخصصة في النسيج SITEX و انتاجها مخصص للسوق المحلية إلى SITER  لإتمام المنسوجات للسوق المحلية  تمت إعادة الهيكلة تسهيلا لعملية التفويت لتكون وحدات صغيرة في متناول امكانيات القطاع الخاص. و نالت الشركات الاجنبية نصيبها من المساهمة (  شركة SITEX  مثلا مؤسسة التمويل الدولية IFC و لمستثمرين آخرين)
2)    الشركة التونسية لمواد البناء SOTIMACO: التي أنشئت  سنة 1960، و تم التفويت في عناصر أصولها  بعد  إعادة هيكلتها و تحويلها إلى شركة أم تباشر التسيير المركزي على وحدات المجموعة
3)    الشركة التونسية للنزل و السياحة: التي  خضعت لعمليات  متكررة من التصحيح الهيكلي  وحضيت  بدعم كبير ليتم في  (1983) بيع   الوحدات الفندقية  للشركة التونسية للنزل و السياحة على ثلاثة مراحل

  نظريا الهدف المعلن  دعم الاستثمارات الخاصة المحلية وجلب المستثمرين الأجانب و التفريط في المؤسسات العمومية لفائدة القطاع الخاص و فعليا  كان المطلوب  من الماليات العالمية
أ‌-        انسحاب الدولة من النشاطات التنافسية
ب‌-   افقاد الدولة  الركائز التي يقوم عليها دورها التعديلي في النشاط الاقتصادي 
ت‌-   تقليص هامش تحرك الدولة و إضعافها  لفتح ابواب  الاقتصاد التونسي على مصراعيه للمتاجرين بقوت الناس
و  كانت  التكلفة اقتصادية واجتماعية فوق كل التوقعات و دفعت المجموعة الوطنية  للحاكمين الفعليين الجدد بطالة ابنائها و تسريح الاف العمّال و افلاس شركات  و لم يتوقف الامر عند ذلك بل تجاوزه الى امتيازات تقدمها الدولة بالالف الدينارات دعما  و مساعدة و اعادة هيكلة  و هذا ليس غريبا اذ الحقيقة التي كانت عليها الخصخصة ليس نقلا للملكية من الدولة الى قطاع خاص بل تفويتا  لبعض المقربين من النظام القائم   الذين استفادوا مرتين مرة حين اقتنوا المؤسسة دون سعرها الحقيقي و مرة ثانية حين  استحوذوا  دون سواهم على جميع المنافع المتأتيّة من الخصخصة.
لقد كانت الخصخصة هجوما ممنهجا على القطاع العام لانهائه في اطار المنظومة الدولية الجديدة لتقسيم الاسواق و بتعلة غياب التصرف المجدي في القطاع العام و الترهل الذي اصبح عليه وضعف الجدوى الاقتصادية للمؤسسات العمومية وهي تعلاّت تستند الى المردودية  المالية للمؤسسات  و تلغي  دورها الاجتماعي كالمحافظة على  الأجراء ومقاومة البطالة ودفع الأجور وسياسة أسعار منخفضة، و غيرها...
 لقد  استفاد  من الخصخصة  المقربون للسلطة  الذين  لم يستلموا مؤسسات حكومية  عاجزة ماليا او خاسرة بل استلموا مؤسسات تدر ارباحا طائلة   و لان همهم الأكبر تعظيم الربح  قاموا بتسريح عدد كبير من العمال وساهموا في زيادة البطالة ، و زاد من تفاقم النهب  فسح المجال للاجانب   الشيء الذي ادى الى انتقال  الأموال المستثمرة الى خارج البلاد عن طريق الدخول الأجنبية لأصحاب المؤسسات الخاصة
ولم  يميز بين المؤسسات ذات البعد الإستراتيجي للإقتصاد و بين غيرها  في الوقت الذي كان قطاع الاسمنت مثلا  مرشحا لمنافسة  معامل الاسمنت الأوروبية التي  أصبحت عجوزا و اصبحت كلفة تعويضها أعلى بكثير من شراء معاملنا.و في الوقت الذي كانت الشركات الاستراتيجية ( الشركة الوطنية لتوزيع النفط عجيل و الشركة التونسية للتنقيب) قادرة على حفظ التوازنات المالية للدولة بمزيد دعمها من طرف الدولة و ترشيد التصرف فيها
و وسط كل هذا الخراب و بعد تهريب بن علي لا يزال  ضباب كثيف يلف هذه الشركات و مصيرها  ولا زال صمت  السياسيين عنها متواصلا  و لازالت الدول تسعى الى مزيد تحميل المواطنين اخطاء سياسات نصف قرن و اختيارات "متخارجة" تخدم مصالح الشركات العابرة للقارات و رأس المال العالمي  و تدوس ارادة الشعب في ادارة شؤونه بنفسه ولا يزال الاقتصاد التونسي يقوم على ثنائية حسن الاداء الاقتصادي و استراتيجية الاستقرار في غياب أي مشروع اقتصادي جماعي للدولة
 اعادة النظر في الخصخصة و في الشركات المخصخصة و استعادتها من طرف الدولة احد اهم الحلول التي تمكن تونس تخفيف العبء على التونسيين و ايجاد موارد مالية قد تغير كثيرا في خارطة المشهد الاقتصادي
للتعليق علي الموضوع




غرد لأصحابك في تويتر :)

شارك عبر جوجل بلس ;)


شير علي الفيس بوك ( )

علي تويتر
علي الفيس

تونس للصحافة و الاعلام كل الحقوق محفوظة لعام 2014