من ملفات وزارة بن حميدان : فضائح بالجملة والتفصيل في عمليات تزوير عقود عقارية خاصة بأملاك الأجانب

قضية الرسم العقاري 85441 بن عروس : فيلا الزهراء التي استولت عليها مافيا “أملاك الأجانب” بعقود مدلسة…

القضاء في تونس لا يزال ورغم مرور 3 سنوات على سقوط دولة الفساد والإفساد “ضايع في الطريق” يبحث له عن موطن قدم ليحكم بالعدل والقسطاس لا يفرق بين المتقاضين ولا يحرف الوقائع ولا يطمس حقائق ولا يصنع قرائن …هذا القضاء الذي شملته حركة التطهير المزعومة لنور الدين البحيري والتي حكمت على الهوية بعزل 82 قاضيا اتهموا بالفساد والرشوة … زمنها تقبل السواد الأعظم من الشعب التونسي  العملية على  مضض وفي اعتقاده أنه  لا بد من التضحية بعدد من القضاة لترويع البقية وإصلاح ما تبقى …

لكن ما حدث هو العكس إذ توسع الفساد داخل الجهاز القضائي وتحولت الرشوة والمحاباة والمحسوبية والظلم والقهر والتعليمات إلى عملة رائجة زمن الحكومات الرشيدة …إذ لا معنى للعدالة وأعداد الضحايا والمظلومين في تزايد مستمر ولا معنى لقضاء مستقل والملفات تفتح وتغلق بأمر ولا فائدة ترجى من قضاء مختل الموازين لم ينجح في إعادة الحق لأصحابه… موضوع قضية الحال يخص إحالة أملاك أجانب إلى مقتنين تونسيين بواسطة عقود عقارية مزورة اعتمدها القضاء وسكتت عنها سلطة الإشراف في عملية تواطؤ مريبة تؤكد أن دولة الفساد والإفساد لم تسقط بعد وأن ما سقط منها خلال ثورة 14 جانفي 2011 لا يتعدى الصفحة … وزارات  أملاك الدولة والعدل و الداخلية مطالبة  بتصحيح الأعمال وبالسهر على إعادة الحق إلى أصحابه وإلا فانه الخراب في انتظار تونسنا.

البداية ستكون مع المتحيل الخطير محمد بن ميلاد بوبكر الذي لهف المليارات واستولى على ما لا يملك باستعمال التدليس والزور …من خلال تحوزه دون وجه حق على فيلا بنهج الجيلاني مارشان عدد21 الزهراء موضوع الرسم العقاري عدد 85441 بن عروس بعد أن اطرد شاغليها … أعمال مسرحية أتقن أداءها محمد بوبكر ولتشمل عقارا ثانيا كائنا بنفس الجهة ..فيلا مساحتها 516 متر مربع موضوع الرسم العقاري 90389 بن عروس كائنة بالضبط بنهج 9 نهج المنصف باي الزهراء  ….وغيرها من القصص المماثلة والشبيهة في عالم التحيل الفسيح الذي ازدهر بعد الثورة وتطور إلى درجات ومعدلات قياسية غير مسبوقة.

عقد شراء عقار مزور :

 العقار موضوع عملية الاستيلاء المقيتة يخص فيلا مبنية وسط أرض  مساحتها الجملية 487 متر مربع في قلب مدينة الزهراء جنوب العاصمة (ولاية بن عروس) موضوع الرسم العقاري عدد 85441 بن عروس…وبالعودة إلى الواقعة استقر انطلاقا من سنة 1975 كامل العقار المذكور في تصرف المرحوم صالح العزابي ومن بعده ورثته أرملته فاطمة العزابي ومروان ومريم ومنا العزابي والذي تعود ملكيته في الأصل إلى اليهودي الفرنسي مارسال ايراز (أملاك أجانب).

صاحب العقار “ميسيو مارسال” عهد بالتصرف في العقار إلى شركة التنمية العقارية سوديزا والتي قامت بتسويغه بتاريخ 15/05/1972 إلى شركة ماجول وشركائه وبعدها ب3 سنوات تنازلت هذه الأخيرة عن الكراء لفائدة صالح العزابي مثلما هو معمول به في التصرف في أملاك الأجانب (كاري من تحت كاري)… التنازل تم توثيقه لاحقا في كتب بخط اليد مؤرخ في بمعين كراء سنوي قدره 86 دينارا …وقد دأب شاغلو العقار على خلاص معينات الكراء مباشرة إلى الشركة العقارية الموكلة من طرف المالك الأصلي ثم تحول التعامل إلى الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية بحكم إشرافها حصريا على التصرف في أملاك الأجانب طبقا لقانون 1984 المتعلق بأملاك الأجانب المبنية أو المكتسبة قبل سنة   1956.

ترخيص والي الجهة مفقود :

إن انتقال الملكية من أجنبي إلى شخص آخر ، ووفق ما يقتضي القانون  ، يتطلب ضرورة الحصول على رخصة من قبل  والي الجهة الكائن بها العقار موضوع العقد…وبما أن المتحيل “محمد بن ميلاد بوبكر” ضالع في فنون التدليس والتزوير فقد عمد إلى الادعاء بأنه حصل فعلا على رخصة من الولاية ضمنت تحت عدد 7567 بتاريخ 29 مارس 1976 ..ترخيص مزور للسلط الجهوية بتونس (قبل بعث ولاية بن عروس) ممثلة في الوالي يرخص من خلالها لعائلة “ايراز” اليهودية مالكة الفيلا الواقعة ب21 الجيلاني مارشان بالزهراء بانجاز عملية البيع مع المقتني الجديد المزعوم.

فوجئ ورثة صالح العزابي بظهور المدعو محمد بن ميلاد بوبكر يحتج بملكية عقار فيلا نهج الجيلاني مارشان عدد 21 بالزهراء مستندا في ذلك على نسخة من عقد بيع مزور ممضى بين ورثة المالك الأصلي مارسال ايراز والمالك المزعوم  …وبالتثبت في نسخة العقد المتحجج به انكشف الملعوب وبان الزور إذ عمد المتحيل إلى إدخال تغييرات على تاريخ انجاز العقد  فتحولت سنة 1990 إلى 1980 ….كذلك التزوير شمل استعمال اختاما فرنسية مزورة عرفت بإمضاء البائعين ورثة المالك اليهودي ايراز ..كما اتضح لاحقا بعد مراجعة المصالح المحلية المختصة  أن التعريف بإمضاء الشاري المزعوم “محمد بن ميلاد بوبكر” لا وجود له بمصالح التعريف بالإمضاء ببلدية الزهراء التي أكدت في مراسلتها عدد 3166 لسنة 2011 إنه بالرجوع إلى الدفتر المعد للتعريف بالإمضاء تبين أن عملية التعريف بالإمضاء الوحيدة التي تمت يوم 18 ماي 1979 تتعلق بشراء سيارة قام بها المدعو احمد الشابي…

الحجر أكثر بلاغة من البشر

ولم يكتف فريق الثورة في تقصي مظاهر  الفساد في هذا الموضوع بالوثائق المكتوبة بل تحول إلى العقار موضوع التحيل  وشد الرحال  إلى نهج الجيلاني مرشان عدد 21 الذي وصلناه بعد أن خرجنا من النفق الذي يقطع السكة الحديدية على مستوى شارع الحبيب بورقيبة  فوجدنا بناية مهجورة ذات طابقين يلاصقها ” ستيديو ” ومأى ، ولعل المتحيل الذي كان يقطنها قد هرب مذعورا أيام الثورة تحسبا لردة فعل من أخرجهم من ديارهم ذات يوم وهم يتجرعون مرارة الظلم  . ونحن وإن لم نجد داخل البناية  من الناس من يحكي لنا أسطورة القهر التي عانتها عائلة العزابي فقد وجدنا كتابات جدارية تغني عن محاورة ساكنيها الذين أطردوا وهجروا دون ذنب اقترفوه أو معصية أتوها  .

كتابات جدارية لخصت في كلمات معدودات ما عانته هذه العائلة في سنوات . وأول ما شدتنا من تلك الكتابات نداء استغاثة بدأ  بالتكبير ” الله أكبر نطالب الشرطة بإيقاف هذه المظلمة ” ومن الاستغاثة إلى الاستفهام ” متى تنتهي هذه المظلمة ؟ ” ومن الاستفهام إلى الخطاب الحكمي التقريري ” العدل أساس العمران ” …ومن الحكمة إلى الدعاء ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” .. وبين الأمل والرجاء من جهة وبين التهديد والوعيد من جهة ثانية ودعتنا الكتابات الجدارية ” لا للخوف بعد 14 جانفي ” ” لا للقهر لا للظلم لا للاستبداد لا للاستسلام  ” نعلن دخولنا في إضراب جوع مفتوح “  تركنا المكان ونحن نحاول تمثل معانة أهل الدار الذين أجبروا على هجر بناية في موقع استراتيجي لا تقل قيمتها عن مليار لهفها متحيل برخص التراب 13 ألف دينار ونحن على يقين أنه لم يسدد هذا المبلغ . تركنا المكان ونحم نتحيل ساعة طردهم والدموع على مىقيهم وهم ينشدون :

حي الديار إذ لا نبتغي بدلا بالدار…   دارا  ولا الجيران جيرانا

هذه عينية من وثائق مزورة للسطو على أملاك الأجانب اجتمع فيها زيف العقد مع تزوير التعريف بالإمضاء ومع ذلك لم تحرك وزارة أملاك الدولة ساكنا ، وكيف لها أن تحلل مثل هذه المواضيع وسيدها منشغل بالحسابات الحزبية الضيقة وبتتبع كل من ينقد وزارته متناسيا القول المأثور ” رحم الله إمرءا أهدى إلي عيوبي” .