مفاجئة مفزعة كشفتها احصائيات التعداد السكني تهدد الاجيال القادمة

‘'مفاجأة'' تهرّم السكان في تونس ستؤدي إلى عدم القدرة على صرف جرايات التقاعد في المستقبل القريب... والحلول محدودة



كشف تعداد السكان الأخير في تونس عن "مفاجأة" غير مسبوقة تمثلت في وتيرة نمو بطيئة للسكان لم تتجاوز 1.3% لعدد السكان على امتداد العشر سنوات الأخيرة ومنذ تعداد 2004 وما يؤشر في المقابل على تسارع تهرّم السكان في تونس.
وحسب التعداد العام للسكان لسنة 2014، لم يتخط عدد السكان حاجز 11 مليون ليبلغ 10.982 مليون ساكن في تونس من ضمنهم الأجانب المقيمين في تونس لأكثر من 6 أشهر.
وتثبّت هذه الاحصاءات المنحى التصاعدي للفئة الهرمة في تونس والذي بدأت تظهر منذ ثمانينات القرن الماضي حيث كانت تمثل هذه الفئة نحو 5% من مجموع السكان لتتطور إلى نحو 9% في بداية الألفية الحالية فيما تقدر حاليا بأكثر من 15%.
ويعكس هذا الواقع الديمغرافي الجديد في تونس السياسية الاجتماعية التي ركزها نظام الحبيب بورقيبة منذ الاستقلال عبر ما يعرف بالتنظيم العائلي بتقليص نسبة الولادات.
تحذير حكومي
وتتزامن نتائج تعداد السكان المعلنة في تونس مع تحذير الحكومة الحالية وشخصيات وطنية من تداعيات عجز صناديق التقاعد التي بدأت تظهر مؤشراها فعليا منذ 2007 وما يؤشر على صعوبات في هذه الصناديق حول قدرتها على صرف جرايات التقاعد بحلول 2018 مثلما كانت نبّهت إليه دراسة فرنسية حول واقع صناديق التقاعد في تونس ومنذ 1999.
وقد نبهت هذه الدراسة لهذا المعطى الاجتماعي الخطير بالنظر إلى المتغيرات الديمغرافية التي تشهدها تونس حيث تطور مؤمّل الحياة في تونس من معدل 55 عاما عام 1975 إلى 75 عاما حاليا.
وبالتوازي مع هذا المعطى الديمغرافي تطور عدد المتقاعدين في تونس من نحو 83 ألف متقاعد عام 1990 إلى أكثر من 200 ألف حاليا، وهذا الرقم مرشح للارتفاع في العشرية المقبلة بالنظر إلى ارتفاع معدل مؤمل الحياة تزامنا مع تباطؤ نمو السكان، وما يؤكد تحذيرات مسؤولين بشأن تفاقم عجز صناديق التقاعد وارتباطها بواقع السكان في تونس.
وجاءت أبرز هذه التحذيرات منذ أيام على لسان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي الذي حذر من احتمال التخلي أصلا عن التغطية الصحية التي توفرها هذه الصناديق لفائدة العمال في حال استمرار عجزها!
بدوره كان وزير الشؤون الاجتماعية عمار الينباعي أكد مؤخرا على أن عجز الصناديق الاجتماعية الثلاثة (الكنام، الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الإجتماعية، صندوق الضمان الإجتماعي) بلغ سنة 2014، 400 مليون دينار ومن المنتظر أن يفوق هذا العجز ال700 مليون دينار العام المقبل.
وفي سياق متصل، كان رئيس الحكومة مهدي جمعة أعلن بمناسبة افتتاحه لمؤتمر دولي حول الاستثمار في تونس عن خطة لدى حكومته بشأن إصلاحات تهم نظام التقاعد والضمان الاجتماعي، إلا أنه لم يكشف عن تفاصيل هذه الاصلاحات.
حلول وفرضيات
وحسب مراقبين متخصصين، وانطلاقا من ذات الدراسة الاستباقية التي تم انجازها منذ أكثر من عقد بتكليف من منظمة الأعراف وجمعية البنوك المهنية وجمعية وسطاء البورصة، فإن اصلاحات هذا النظام تحوم حول ثلاث فرضيات أساسية مطروحة على طاولة النقاش، تتمثل الأولى منها في الزيادة في نسبة التغطية الاجتماعية الاجبارية من نحو 25% حاليا إلى 40% من قيمة اجمالي الراتب، وهي فرضية يصعب تنفيذها بالنظر إلى ضعف الأجور في تونس من جهة وإلى عبء هذه التغطية المعروفة بالمساهمات الاجتماعية والتي يتحمل صاحب العمل 17.5% من تكلفتها فيما يتحمل العامل 75.5% من تكلفتها.
وتتمثل الفرضية الثانية في التخفيض من نسبة جراية التقاعد من نحو 80% حاليا إلى 30 % وهي أيضا فرضية قد تواجه رفضا قاطعا من النقابيين إلا أنها قد تكون في نفس الوقت من النتائج الوخيمة التي ستؤول إليها تداعيات عجز الصناديق حاليا لتصبح من الحلول الأقل سوءا ربما.
أما الفرضية الثالثة والتي كانت قد اقترحتها ذات الدراسة الفرنسية فتتمثل في التمديد في سن التقاعد إلى أكثر من 60 سنة حاليا، وهي من أبرز الحلول المطروحة حاليا رغم آثارها الجانبية فيما يتعلق بتفاقم البطالة.
حلّ لا يُناقش
في المقابل، تقوم أيضا فرضية رابعة إلا أنه بقيت مستبعدة ويُرفض النقاش بشأنها وتتمثل في تخصيص جزء من مدخرات الصناديق الاجتماعية المتآكلة لاستثمارها في بورصة تونس. وهي من بين الحلول العملية التي لا يزال بابها مغلقا بالنظر إلى محدودية سوق الأسهم في تونس وواقع المضاربة المحفوف بمخاطر الخسارة التي يطغى على هذه السوق، بالإضافة إلى عامل اقتصار ثقافة الاستثمار في الأسهم على فئة قليلة جدا من المجتمع التونسي.
نظام مستوحى من التجربة التونسية
يشار إلى نظام الصناديق الاجتماعية في تونس هو مستوحى في واقع الأمر من التجربة الفرنسية التي تم ارساءها منذ 1945 إلا أن محدودية هذه التجربة بدأت تظهر منذ ثمانينات القرن الماضي وبقيت من الملفات العالقة في فرنسا التي لا تزال في طور الحلول التجريبية.
ولئن أثبت هذا النظام نجاحه في تونس بعد أن ضمن أمنا اجتماعيا قائما على مبدأ التداول من خلال مساهمات يدفعها النشطون لفائدة المتقاعدين، إلا أن ذات النظام أصبح محدودا وقد يهدّد السلم الاجتماعي الذي حققته تونس على امتداد خمسة عقود تقريبا، ما لم يتم تنفيذ الحلول الممكنة حاليا في أقرب الآجال وقبل فوات الأوان وعندما لا يجد العامل حاليا معاشه لاحقا وهي من المسائل التي يفترض أن تكون على رأس برامج السياسيين في حمى سباقهم الانتخابي حاليا في تونس .
 نشر في أفريكان ماناجر يوم 16 - 09 -   2014
للتعليق علي الموضوع




غرد لأصحابك في تويتر :)

شارك عبر جوجل بلس ;)


شير علي الفيس بوك ( )

علي تويتر
علي الفيس

تونس للصحافة و الاعلام كل الحقوق محفوظة لعام 2014